[center]طالما حلمت بذلك الموعد، أجل ... انه الموعد الذي سيغير حياتي بأكملها، انه موعد سيجمعني بقدري الذي طالما انتظرته، انه موعد سيجمعني بقدري الذي لم ألتقي به منذ أن كنت صغيرة، موعد مع باريس حيث يعيش والدي ... فهل يا ترى سيكون القدر من أعواني و سيساعدني على مقابلة أبي ؟؟؟ أم سيكون غير ذلك كما يفعل في كل مرة أحاول فيها الوصول إلى والدي ؟؟؟
حانت اللحظة الحاسمة، و حزمت حقائبي واضعة فيها أجمل ملابسي و أحسنها، وودعت ذكرياتي في ذلك المنزل الذي لطالما عشت فيه وحيدة، و انطلقت في طريقي، حاملة في ذهني ذكريات أيامي، ولا أدري أي شعور هو ينتابني ؟؟ فهل سأصل إلى ما أريد ؟؟
عبرت ذلك الطريق المنعزل، الذي يشق رمال الصحراء، حيث كنت قد قطعت بداية طريقي للوصول إلى قدري، حتى هبت رياح خفيفة حملت معاها وشاحي، حاولت الامساك به، ولكن ... دون جدوى، رحت أتأمل تلك الصحراء لعلى و عساي أن ألمح وشاحي، فتحت باب سيارتي للنزول، فسرعان ما تراجعت عما فعلت، عدت أتأمل في تلك الصحراء، و إذا بي أرى وشاحي يتمايل في الأفق البعيد و كأنه قد علق بشيء أوقفه، قررت النزول من السيارة من جديد، و فعلت، و اتجهت إلى هناك مهرولة، حتى وصلت إلى وشاحي الذي رأيته قد هوى على جثة رجل بدت لي كجسد ذبيح يتعثر من إثر طعنة عميقة ... تهاوى على الأرض مخضبا بالدماء .. أحسست بذلك الألم يتسرب في خلايا بدنه المتهالك .. وضع يده على قلبه الذي خال بأنه سيندفع من مكانه خارجا ... حاول أن يغمض عينيه في محاولة يائسة للتخلص من حرارة الألم، رفع عينيه باتجاه السماء التي بدت له أكثر قربا من ذي قبل، أرخى كفه لتستقر فوق وجهه و أغمض بها عينيه عنوة. ...
وقفت صامتة دون حراك، أحسست وكأنني سأسقط أرضا مغشا علي، و بعد دقائق أرتفع صوتي بالصراخ لشدة هول ما رأيت، قررت مساعدته، و لكن تذكرت بأنه علي الاختيار إما أن أساعد هذا الرجل، و إما أن ألحق بوالدي، فماذا أفعل؟؟ فعندما يصبح القدر مرهونا باختيار قد يحدد كل شيء، تتنافس الحيرة و القرار على أحضان الحياة، فماذا أفعل؟ لقد كانت الآمال معقودة على هذا الموعد ....
فعاودت أدراجي و عدت إلى سيارتي و انطلقت مسرعة، تاركة وشاحي على جثة ذلك الرجل، و كان منظره راسخ في ذهني و ينتابني شعور بالخوف و الشك فهل ما فعلته صائبا ؟؟؟
وصلت إلى أخر الطريق حتى أوقظني شعوري بتأنيب الضمير، فعدت إلى هناك، و أخذت أنظر إلى الرجل من جديد، أمسكت بهاتفي المحمول وضغطت على أرقامه ببطء ودقة محاولة الاتصال بالنجدة؛ لمساعدة ذلك الرجل على التقاط أنفاسه الأخيرة، و بالفعل حضرت النجدة، فذهبت للاختباء وراء شجرة كبيرة أسترق النظر للأحداث، و أنقذ الرجل، و عندها شعرت براحة و رضى الضمير، و قررت الانطلاق للحاق بالطائرة ...
و لكن بدأ القدر بمعاكستي حتى سمعت صوتا من خلفي " توقفي"، توقفت و التفت إلى الخلف ببطء و إذا به رجل من رجال الشرطة حاملا بيده وشاحي قائلا:" أليس هذا وشاحك؟؟" ، بقيت صامتة و كأنني لا أملك اجابة لسؤاله، استكمل حديثه: " إذا أنت هي من فعل ذلك بالرجل ... " أفتحت عيني مندهشة !!! و قلت: يا للعجب ؟؟!! و فجأة أصبحت متهمة بين جدران و قضبان من حديد، وحيدة لا أدري ماذا أفعل ؟؟ فلم يفدني قسمي بربي بشيء .... حتى جاء اليوم الذي أطلق فيه سراحي بعد التأكد من صدقي ... فعدت إلى منزلي منكسرة ، لأعيش حياتي وحيدة من جديد، و قطعت على نفسي وعدا بألا أفكر في البحث عن أبي فهذا هو قدري ولا بد منه .....
و لكن القدر لم يطق صبرا، و فتح صفحة الربيع ووفى بموعده حتى تلألأت البشرى و منحني ما تمنيت و ما سعيت من أجله، فسرعان ما مر يسير من الأيام حتى دق باب بيتي، ذهبت لفتح الباب و إذا به ..... أبي أمام عيني و أمام باب بيتي ....... أصابتني الدهشة الآن وبعد كل ما عانيته للوصول لوالدي ، هاهو أمامي !!!!
فهذا هو القدر !!!
م ن ق و ل